تأجيل أزمة التجنيد- نتنياهو يستغل انقسام الحريديم لإنقاذ حكومته

المؤلف: حلمي مُوسى08.29.2025
تأجيل أزمة التجنيد- نتنياهو يستغل انقسام الحريديم لإنقاذ حكومته

النهاية أرجئت، ومنحت ائتلاف نتنياهو الحكومي وقتًا إضافيًا، تمامًا كما كان يصبو إليه كل من الحريديم ونتنياهو. فقد سقط مشروع قانون حل الكنيست بعد التوصل إلى تفاهمات مبدئية بين حزبي شاس وديغل هتوراه مع يولي إدلشتاين، رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست. هذه الأزمة أحدثت شرخًا داخل أغودات إسرائيل، وهو أحد مكوني "يهدوت هتوراه"، حيث صوت عضوان، وهما يعقوب تيسلر وموشيه روث، مع حل الكنيست، بينما عارضه عضو آخر هو إسرائيل آيخلر.

بعد جدال ومناقشات وتوتر طويل، تم إبرام الصفقة من خلال اتفاق مبادئ، مما أدى إلى تجنب حل الكنيست وتأجيل الأزمة إلى أجل غير مسمى. يبدو أن نتنياهو هو الرابح الأكبر في هذا النزاع، بعد أن استغل بمهارة الانقسام بين الحريديم من جهة، وبين الليكوديين من جهة أخرى.

الصراع في أوجه كان بين الحريديم ورئيس لجنة الخارجية والأمن الليكودي، يولي إدلشتاين، وكانا يمثلان قطبين متناقضين في الموقف بين الدولة والجماعة فيما يتعلق بمسألة جوهرية، وهي "تقاسم الأعباء" بطريقة عادلة. على الرغم من أن قانون التجنيد كان محور الخلاف، إلا أن الميزانيات المخصصة للمؤسسات الحريدية كانت لا تقل أهمية، وهي التي جعلت من الانقسام الحريدي بشأنها بمثابة حبل النجاة لائتلاف نتنياهو.

الأزمة الأخيرة اندلعت بعد أن أدركت الأحزاب الحريدية أن نتنياهو لن يبادر إلى إقرار قانون تجنيد يخدم مصالحهم إلا إذا وضع تحت الضغط. وفقًا لتسجيلات مصورة للقاء جمع نتنياهو بكبار الحاخامات، اعترف نتنياهو بأنه أزاح وزير الدفاع ورئيس الأركان السابقين من أجل تسهيل تمرير قانون التجنيد الذي يرضيهم، ولكنه لم ينجح حتى الآن ويحتاج إلى مزيد من الوقت.

الحريديم كانوا قد حددوا موعدًا نهائيًّا لإقرار القانون، وهو عيد نزول التوراة الذي حل في الأسبوع الماضي. كما أشار قادة حريديون، كان الهدف هو منع نتنياهو من تجاوز الدورة الصيفية للكنيست دون إقرار قانون التجنيد في القراءة الأولى. بالطبع، لم يكن الهدف هو حل الكنيست فعليًا، بل إجبار نتنياهو والليكود على تمرير القانون.

إجراء انتخابات جديدة قد يكون له عواقب وخيمة على الأحزاب الحريدية، خاصة وأن الحرب قد زادت من حدة الاستقطاب بين مؤيدي تجنيد الحريديم ومعارضيه. الحريديم لديهم قناعة راسخة بأن ما يمكنهم الحصول عليه من حكومة نتنياهو سيكون أفضل بكثير مما يمكنهم الحصول عليه من أي ائتلاف آخر.

وهكذا، خلال عطلة عيد الفِصح، بدأ أعضاء حزب "يهدوت هتوراه" في مقاطعة التصويت في الهيئة العامة للكنيست أيام الأربعاء، بهدف الانتهاء من صياغة مشروع قانون متفق عليه. وسرعان ما انضمّ شاس إلى المقاطعة، مما اضطر الائتلاف إلى سحب مشاريع القوانين حتى لا يتعرض للهزيمة من قبل المعارضة. استمرت مقاطعة الحريديم للتصويت في الهيئة العامة أيام الأربعاء لأسابيع عديدة، ونشأت حالة من "الازدحام" بسبب كثرة القوانين التي طرحها أعضاء الائتلاف، والتي لم يتم إقرار أي منها.

نتنياهو ماطل مع الحريديم إلى درجة أثارت غضب كبار حاخاماتهم، الذين رفضوا حتى مقابلته أو الرد على مكالماته. وما زاد الأمور تعقيدًا هو عدم تعاون رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن، يولي إدلشتاين، وتقديمه مشروع قانون تجنيد يتضمن عقوبات فردية قاسية، الأمر الذي أثار استغراب أعضاء الكنيست الحريديم. ونتيجة لذلك، بدأ الحريديم، بقيادة الحاخام غور، يدعون إلى حل الكنيست.

إدلشتاين لم يستجب لمساعي قادة حزبه لتخفيف حدة العقوبات المقترحة، الأمر الذي أثار غضبًا عارمًا داخل الليكود، حيث اتُّهِم بإسقاط الحكومة. وانضمت المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهاراف ميارة، إلى المعركة، وأعلنت أن على قيادة الجيش الإسرائيلي إرسال أوامر استدعاء لجميع الحريديم الذين يستوفون شروط الخدمة العسكرية الإلزامية، والبالغ عددهم 54 ألفًا.

وبموجب القانون، يتعين على الجيش إرسال أوامر استدعاء للخدمة لكل شاب حريدي لم يتجاوز عمره 28 عامًا، بدءًا من مطلع شهر يوليو/ تموز المقبل. كما أكدت أنه لا يمكن تطبيق أي قانون دون فرض عقوبات صارمة على المخالفين.

هذا الأمر دفع الحريديم إلى تصعيد لهجتهم وزيادة ضغوطهم لإقرار القانون، مستغلين وجود مشاريع قوانين لحل الكنيست. يبدو أن صيغة الاتفاق التي تم التوصل إليها في اللحظة الأخيرة قبل التصويت على حل الكنيست كانت بمثابة حل وسط، يمنع فرض عقوبات قاسية على جميع الشبان الحريديم من جهة، ويتيح فرصة لمدة شهر لإقراره وبدء تنفيذه من جهة أخرى.

إدلشتاين والمستشارة القضائية للكنيست وافقا على هذا الاتفاق، مما دفع كلًا من الحاخام دوف لانداو والحاخام موشيه هيلل هيرش إلى إصدار فتوى بعدم تصويت الحريديم لصالح قانون حلّ الكنيست. وفقًا لاتفاقية المبادئ هذه، هناك ثلاث مراحل من العقوبات تطبق على الحريديم الذين لا يلتحقون بالجيش، تتدرج من منعهم من الحصول على رخص قيادة سيارات، أو العمل في وظائف معينة، أو حصول أطفالهم على تخفيضات في دور الحضانة ورياض الأطفال، وصولًا إلى منع التخفيضات على رسوم التأمين الوطني. كذلك تم الاتفاق على زيادة عددية في تجنيد الحريديم تصل إلى 50% خلال خمس سنوات.

وبناءً على ذلك، من المقرر أن تبدأ مناقشة القانون الجديد في لجنة الخارجية والأمن قريبًا، تمهيدًا لعرضه على الكنيست في الأسبوع المقبل. على أي حال، انتهت هذه الأزمة بحصول نتنياهو وائتلافه على ضمانة بعدم تقديم مشروع قانون آخر لحل الكنيست خلال ستة أشهر، وفقًا لما ينص عليه القانون.

جذور الأزمة

تعتبر قضية تجنيد الحريديم من بين أعقد المشكلات التي تواجهها إسرائيل، خاصة منذ منتصف السبعينيات عندما بدأت الأمور تتجه نحو ترسيخ سيطرة اليمين على الساحة السياسية. من بين أسباب هذا الاتجاه كان تنامي قوة كل من اليمين الديني التقليدي والحريدي من جهة، واليمين القومي من جهة أخرى، بالإضافة إلى تعزيز التحالف بينهما.

تعود جذور الأزمة إلى نشأة الدولة العبرية، وحتى إلى المداولات التي سبقتها في الأمم المتحدة بشأن التقسيم. كان من بين شروط إعلان الدولة العبرية إرضاء الحريديم وضمان حريتهم في ممارسة شعائرهم. كما أن القيادة العلمانية للصهيونية كانت حريصة على تجنب الصدام مع "حماة الدين"، لأنها استندت إلى البعد الديني في تبرير استيطانهم للأرض وإعلان الدولة اليهودية.

وهكذا، فإن أول رئيس حكومة لإسرائيل بعد إعلانها، ديفيد بن غوريون، الذي كان يشغل أيضًا منصب وزير الدفاع، أصدر إعفاءً لطلاب المدارس الدينية اليهودية من الخدمة العسكرية، مستندًا إلى بند في قانون الخدمة العسكرية يسمح لوزير الدفاع بذلك. في عام 1948، كان عدد طلاب المدارس الدينية لا يتجاوز بضع مئات. استمر الوضع على هذا النحو لمدة تقارب الثلاثين عامًا، حتى حدث التحول السياسي الأهم في تاريخ إسرائيل بهزيمة التيار العمالي وتشكيل مناحيم بيغن أول حكومة برئاسة الليكود في عام 1977.

حكومة بيغن ألغت القيود على عدد طلاب المدارس الدينية الذين يستحقون الإعفاء، مما فتح الباب لتنامي ظاهرة الإعفاء من الخدمة العسكرية لأسباب دينية. ما كان بالأمس بضع مئات، تحول بسرعة إلى إعفاء عدة آلاف، قبل أن يصبح حاليًا عشرات الآلاف، ويشكل ما يعرف بمشكلة "تقاسم أعباء الخدمة العسكرية".

تزايد الاعتراضات

في عام 1998، قضت المحكمة العليا، بناءً على التماس تقدمت به عدة جهات، بعدم وجود صلاحية قانونية لوزير الدفاع لمنح طلاب المدارس الدينية إعفاء من الخدمة، وطالبت بسن قانون مناسب ينظم هذا الأمر. ونتيجة لذلك، تم سن "قانون طال" لتنظيم تأجيل خدمة طلاب المدارس الدينية، والذي سرعان ما تبين عدم فعاليته، ليتم إلغاؤه في النهاية من قبل المحكمة العليا في عام 2012.

في عام 2014، تم تعديل قانون الخدمة الأمنية، وتم تحديد أهداف عددية متزايدة سنويًا لتجنيد طلاب المدارس الدينية. ولكن حكومة نتنياهو في عام 2015، التي شاركت فيها الأحزاب الحريدية، قلبت الوضع رأسًا على عقب من خلال سن تعديل آخر، ألغى العقوبات المتضمنة في القانون، وواصلت الإعفاء دون تحقيق الزيادات العددية السنوية المقررة.

في عام 2017، قررت المحكمة العليا أن قانون الإعفاء المعدل يضر بالحقوق الدستورية لمن يؤدون الخدمة العسكرية، وبالتالي يجب إلغاؤه. منذ ذلك الحين، طلبت الدولة مرارًا وتكرارًا من المحكمة تمديد القانون إلى حين سن قانون جديد. انتهت صلاحية القانون المعدل في صيف عام 2023 دون سن قانون بديل.

كان من الممكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، لولا الالتماسات المتكررة أمام المحكمة العليا ضد استمرار إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية. في السنة الأخيرة، أقرت المحكمة العليا أنه في ضوء انتهاء صلاحية القانون، لم يعد بإمكان الدولة إعفاء الحريديم من التجنيد، كما لم يعد بإمكانها تمويل المدارس الدينية التي لم يحصل طلابها على الإعفاء.

بعد صدور هذا الحكم، أصبح الجيش ملزمًا بإرسال أوامر التجنيد لطلاب المدارس الدينية، وبدأ في القيام بذلك على نطاق محدود. أرسل الجيش ما يقرب من عشرين ألف أمر تجنيد للحريديم منذ ذلك الحين، لكن عدد قليل منهم امتثلوا لهذا الأمر.

بعد أن بدأ الجيش في إرسال أوامر التجنيد للشباب الحريديم، طالبت الأحزاب الحريدية نتنياهو بسن قانون ينظم إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة في الجيش. الموعد النهائي الذي حدده زعماء الحريديم أمام نتنياهو كان عيد نزول التوراة، وبحلوله كان آلاف الطلاب يعتبرون متهربين من الخدمة ومعرضين للاعتقال.

نتنياهو لم يتمكن من الوفاء بوعده بتمرير القانون، كما لم يتمكن من إقناع زعماء الحريديم بالتريث وتأجيل تهديداتهم بحل الكنيست. وهكذا نشأت أزمة ائتلافية خطيرة كادت تطيح بحكومة نتنياهو، لولا نجاح المناورات وتجاوز الأزمة مؤقتًا بإسقاط مشروع قانون حلّ الكنيست، مما منح حكومة نتنياهو فرصة للبقاء لستة أشهر أخرى على الأقل، وفقًا للقانون.

خيبة أمل

أحزاب المعارضة شعرت بخيبة أمل كبيرة جراء تراجع الحريديم عن التصويت لصالح حل الكنيست. أرييه درعي، الزعيم البارز في حزب شاس، لعب دورًا محوريًا في هذه النتيجة، واستمر بذلك في تأدية دوره كدرع واقٍ ديني لنتنياهو على مر السنين.

بالنظر إلى تراكم الأزمات، توحدت المعارضة هذه المرة على أمل إنهاء حكم نتنياهو وائتلافه الحكومي، لكن هذه النتيجة كانت متوقعة لكل من يعرف سلوك الأحزاب الحريدية. فهي دائمًا ما تتحلى بالبراغماتية وتناضل بشدة من أجل مصالحها، وتدرس بعناية كل تغيير محتمل.

يبدو أنهم توصلوا إلى استنتاج لا مفر منه، وهو ضرورة الإسراع في إبرام اتفاق يقلل من الخسائر المحتملة، وعدم المخاطرة بانتخابات جديدة قد يكونون فيها واليمين القومي الخاسر الأكبر.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة